28 نوفمبر 2024: أين نحن بعد أزيد من ستة عقود ؟


تحلّ علينا الذكرى الرابعة والستون لاستقلال موريتانيا عن الاستعمار الفرنسي، وهي مناسبة تحمل معانٍ عميقة تتجاوز الاحتفال إلى التأمل في الإنجازات والتحديات التي رافقت مسيرة دولتنا منذ أن ارتفعت راية الاستقلال لأول مرة في الثامن والعشرين من نوفمبر 1960.
على الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على الاستقلال، فإننا نجد أنفسنا اليوم أمام مشهد يبدو فيه أن ما تحقق من إنجازات لا يتناسب مع حجم التطلعات الوطنية. ففي حين كان الحلم الموريتاني بناء دولة عصرية متقدمة تُجسّد طموحات الشعب وتُعزز وحدته الوطنية، فإن المؤشرات الراهنة تعكس ضمورًا في الإنجازات: فلا تزال نسب الفقر مرتفعة، مع توسع الفجوة بين الفئات الاجتماعية، واستمرار البطالة كأحد أبرز معوقات التنمية؛ وتواجه البلاد تحديات كبيرة في القضاء على الأمية وتطوير النظام التعليمي، ما يُضعف قدرتها على المنافسة في عالم يعتمد على المعرفة؛ ويعاني الكثير من الموريتانيين من نقص الخدمات الأساسية مثل الصحة والكهرباء والمياه، ما يضعف جودة الحياة.
وأخطر من ذلك أن الوحدة الوطنية مهددة بفعل عوامل عدة، منها غياب العدالة الاجتماعية، وتفاقم التوترات العرقية والسياسية، مما يجعل التماسك الوطني على المحك.
إن المرحلة التي تمر بها موريتانيا حاليًا تُلقي بظلال ثقيلة على آمال الشعب في تحقيق العدالة والتنمية. وتتجلى هذه التحديات في ضعف الاستقرار السياسي، الذي بات يعيق الحوار الوطني الشامل؛ وما زالت الطبقة السياسية عاجزة عن الاتفاق على خارطة طريق تُخرج البلاد من أزماتها المتشابكة.
في ضوء هذه التحديات، تأتي الدعوة إلى الحوار الوطني كضرورة مُلحّة لإنقاذ البلاد وتحقيق تطلعات أبنائها؛ غير أن نجاح هذا الحوار الموعود مرهون بجديته، وتقديم مخرجات ملموسة وقابلة للتنفيذ تُعالج جذور المشكلات بدلاً من الاكتفاء بالحلول المؤقتة أو الشعارات الجوفاء.
يجب أن يكون الحوار شاملاً، يضم كافة الأطياف السياسية والاجتماعية، وأن يركز على تعزيز حقيقي للوحدة الوطنية من خلال مشاريع حقيقية للعدالة الاجتماعية والمساواة، وعلى إصلاح النظام التعليمي والصحي بما يضمن تحقيق التنمية البشرية المستدامة، مع خلق فرص عمل للشباب، وتوجيه استثمارات حقيقية لتحسين البنية التحتية؛ دون أن ننسى محاربة الفساد الذي يُعتبر العائق الأكبر أمام تقدم البلاد.
إن ذكرى الاستقلال ليست مجرد مناسبة للتأمل، بل هي دعوة للعمل، لتحويل أحلام الأجيال إلى واقع يعيشه الجميع؛ فموريتانيا بحاجة إلى إرادة صادقة ورؤية بعيدة المدى، تضع الإنسان في قلب السياسات، وتجعل التنمية والعدالة والازدهار أهدافًا حقيقية.
لقد حان الوقت لتنظيم محكم للحوار الموعود بصورة تضمن انبثاقه عن مخرجات "تنفع الناس وتمكث في الأرض"، لأن استمرارية الأزمات لن تكون إلا مدخلًا لمزيد من التحديات التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة. فلنجعل من الذكرى الـ64 انطلاقة جديدة لمسيرة البناء والتقدم، بعيدًا عن الشعارات والمماطلات.